الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
قوله في حديث أبي موسى: (الجنة). هي الدار التي أعدها الله لأوليائه المتقين، وسميت بذلك؛ لكثرة أشجارها لأنها تجن من فيها أي تستره. قوله: (مدمن خمر). هو الذي يشرب الخمر كثيرا، والخمر حده الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: كل ما غطى العقل فهو خمر؛ فالبنج مثلا ليس بخمر، وإذا شرب دهنا فأغمي عليه؛ فليس ذلك بخمر، وإنما الخمر الذي يغطي العقل على وجه اللذة والطرب؛ فتجد الشارب يحس أنه منزلة عظيمة وسعادة وما أشبه ذلك، قال الشاعر: وقال حمزة بن عبد المطلب ـ وكان قد سكر قبل تحريم الخمر ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: (قاطع رحم). الرحم: هم القرابة، قال تعالى: فالصلة في زمن الجوع والفقر: أن يعطيهم ويلاحظهم بالكسرة والطعام دائما، وفي زمن الغنى لا يلزم ذلك. وكذلك الأقارب ينقسمون إلى قريب وبعيد؛ فأقربهم يجب له من الصلة أكثر مما يجب للأبعد. ثم الأقارب ينقسمون إلى قسمين من جهة أخرى: قسم من الأقارب يرى أن لنفسه حقا لابد من القيام به، ويريد أن تصله دائما، وقسم آخر يقدر الظروف وينزل الأشياء منازلها؛ فهذا له حكم، وذلك له حكم. والقطيعة يرجع فيها العرف؛ إلا أنه يستثنى من ذلك مسألة، وهي: ما لوكان العرف عدم الصلة مطلقا، بأن كنا في أمة تشتتت وتقطعت عرى صلتها كما يعرف الآن في البلاد الغربية؛ فإنه لا يعمل حينئذ بالعرف، ونقول: لابد من صلة، فإذا كان هناك صلة في العرف اتبعناها، وإذا لم يكن هناك صلة؛ فلا يمكن أن نعطل هذه الشريعة التي أمر الله بها ورسوله. والصلة ليس معناها أن تصل من وصلك؛ لأن هذا مكافأة، وليست صلة؛ لأن الإنسان يصل أبعد الناس عنه إذا وصله، إنما الواصل؛ كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهل صلة الرحم حق لله أو للآدمي؟ الظاهر أنها حق للآدمي، وهي حق لله باعتبار أن الله أمر بها. قوله: (ومصدق بالسحر). هذا هوشاهد الباب، ووجهه أن علم التنجيم نوع من السحر، فمن صدق به؛ فقد صدق بنوع من السحر، فقد سبق: فإن قيل: لماذا لا يجعل السحر هنا عاما ليشمل التنجيم وغير التنجيم؟ أجيب: إن المصدق بما يخبره به السحرة من علم الغيب يشمله الوعيد هنا، وأما المصدق بأن للسحر تأثيرا؛ فلا يلحقه هذا الوعيد؛ إذ لاشك أن للسحر تأثيرا، لكن تأثيره تخييل، مثل ما وقع من سحرة فرعون حيث سحروا أعين الناس حتى رأوا الحبال والعصي كأنها حيات تسعى، وإن كان لا حقيقة لذلك، وقد يسحر الساحر شخصا فيجعله يحب فلانا ويبغض فلانا؛ فهومؤثر،قال تعالى: أما من صدق بأن السحر يؤثر في قلب الأعيان بحيث يجعل الخشب ذهبا أو نحو ذلك؛ فلا شك في دخوله في الوعيد؛ لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله ـ عز وجل ـ. قوله: الجواب: لا؛ لأن هناك من لا يدخلون الجنة سوى هؤلاء؛ فهذا الحديث لا يدل على الحصر. وهل هؤلاء كفار لأن من لا يدخل الجنة كافر؟ اختلف أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من أحاديث الوعيد على أقوال: القول الأول: مذهب المعتزلة والخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، فيرون الخروج من الإيمان بهذه المعصية، لكن الخوارج يقولون: هو كافر، والمعتزلة يقولون: هوفي منزلة بين المنزلتين، وتتفق الطائفتان على أنهم مخلدون في النار، فيجرون هذا الحديث ونحوه على ظاهره، ولا ينظرون إلى الأحاديث الأخرى الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل؛ فإنه لابد أن يدخل الجنة. القول الثاني: أن هذا الوعيد فيمن استحل هذا الفعل بدليل النصوص الكثيرة الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل؛ فلابد أن يدخل الجنة، وهذا القول ليس بصواب؛ لأن من استحله كافر ولولم يفعله، فمن استحل قطيعة الرحم أوشرب الخمر مثلا؛ فهو كافر وإن لم يقطع الرحم ولم يشرب الخمر. القول الثالث: أن هذا من باب أحاديث الوعيد التي تمر كما جاءت ولا يتعرض لمعناها، بل يقال: هكذا قال الله وقال رسوله ونسكت؛ فمثلا: قوله تعالى: القول الرابع: أن هذا نفي مطلق، والنفي المطلق يحمل على المقيد؛ فيقال: لا يدخلون الجنة دخولا مطلقًا يعني لا يسبقه عذاب، ولكنهم يدخلون الجنة دخولًا يسبقه عذاب بقدر ذنوبهم، ثم مرجعهم إلى الجنة، وذلك لأن نصوص الشرع يصدق بعضها بعضا، ويلائم بعضها بعضا، وهذا أقرب إلى القواعد وأبين حتى لا تبقى دلالة النصوص غير معلومة؛ فتقيد النصوص بعضها ببعض. وهناك احتمال: أن من كانت هذه حاله حري أن يختم له بسوء الخاتمة، فيموت كافرا، فيكون هذا الوعيد باعتبار ما يؤول حاله إليه، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال؛ لأن من مات على الكفر؛ فلن يدخل الجنة، وهو مخلد في النار، وربما يؤيده قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * * *
|